الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية في ذكرى استشهاد المناضل الوطني فرحات حشاد: المؤرخ عميرة الصغير يكشف هذه الشهادات التاريخية النادرة

نشر في  04 ديسمبر 2016  (19:39)

بمناسبة الذكرى الـ 64 لاستشهاد المناضل الوطني فرحات حشاد اهدى الجامعي والمؤرخ علية عميرة الصغير للأصدقائه هذا النص وفق ما جاء على صفحته الرسمية بموقع الفايسبوك:

"فرحات حشاد و المقاومة المسلّحة "لنا هنا من الشهادات الكثيرة من رفاق حشاد و من قيادي المقاومة المسلّحة و من التقارير الأمنية للسلط الاستعمارية ما يثبت حقيقة قيادة حشاد للمقاومة خاصة و أنّ شبكة التواصل السري بين مناضلي الاتحاد و مناضلي الحزب كانت دائمة و أنّ مسؤولي الاتحاد على المستوى الوطني و الجهوي كانوا هم أيضا مناضلين دستوريين في أغلبهم و هاهو ذاك الزعيم النقابي الآخر للاتحاد العام التونسي للشغل المهندس الطاهر عميرة يقرّ بأنّ حشاد كان يستعمل مكتبه لتكوين مجموعات المقاومة و الإعداد لأعمال تخريبية و عمليات اغتيال لرموز الاستعمار و الخونة من التونسيين .

و لنا عديد الشهادات الأخرى في هذا المنحى وهاهو المناضل النقابي المرحوم احمد بن حميدة من بنزرت يحكي كيف أن حشاد اجتمع بالمناضلين اثر مظاهرة بنزرت في 16 جانفي 1952 و طلب منهم جمع الأموال و "تكوين فلاقة لأن المعركة ستستمر" كذلك يشهد هذا المناضل أنّ " من بين مشاريع المقاومة و بموافقة فرحات حشاد ان قام الفنيون في البحرية بتزويدي بجهاز راديو كنت التقط به رسائل البوليس و الجندرمة و بصفتي متفرغا كامل الوقت ، كنت أخرج من الترسانة ( فري فيل – منزل بورقيبة ) و أتوجه الى بيتي و أخذ كل الرسائل و أتوجه بها إلى تونس لأعطيها إلى سي النوري أو سي فرحات " .

و يؤكد المناضل منصور جراد مسؤولية حشاد في الكفاح المسلّح اذ يقول "تعرفون أنّ الأحزاب لم تكن آنذاك موجودة و لم يكن الاّ سي فرحات و قد رأيت شخصيّا سي الطيب الميلادي و الدكتور الزاوش كانا يأتيان إلى سي فرحات في نهج سيدي علي عزوز ( مقر الاتحاد ) لتنظيم أمور المقاومة و هي أمور سرّيّة و قليل هم الذين يعرفونها .محمد أيوب في سوسة هو الذي كان عنصر اتصال بين فرحات حشاد و حسن الورداني" احد قادة المقاومة المسلحة بالسّاحل.

أمّا الحبيب السّامالوسي أحد قادة فرق المقاومة بالعاصمة فيشهد أنّ القيادي الدستوري و النقابي أحمد التليلي زوّد المقاومين بالسلاح و أنّ فرحات حشاد أعطى أوامره بتوفير اللاّزم للمقومين و حتى قال له " يا حبيب في المستقبل اتصل بي بصفة رسميّة و لا تتصل بالإخوان في الحزب و قلت له أنا لا أريد شيئا و انما الحاجة الوحيدة التي اطلبها هو مدّي بالسلاح لمواصلة عملي و وقتها بعث ( حشاد) إلى المنجي المانع و قدمه اليّ كمسؤول على المينات في الجبل و قال له في المستقبل يتصل بك الأخ الحبيب السامالوسي و سلمه كل ما يطلب منك " و يصرّح هذا المقاوم أنّه رفع لحشاد تقريرا في الأعمال التي تنوي مجموعته القيام بها و لقي الموافقة و الدعم منه .كذلك يشهد المناضل الدستوري محمد الجملي ،( شهر محمد الصالح التاجوري ) و هو احد أفراد مجموعات المقاومة بتونس العاصمة ، انّ " من أعدّ المقاومة و زرعها و نمّاها هو فرحات حشاد من مقر الاتحاد بنهج سيدي علي عزوز" .

و يروي النقابي محمد قطاط ، من سوسة ،كيف انّه كان ينشط في العاصمة بتنسيق مع الطاهر عميره " المكلف بالعصابات ( المقاومة حيث) حيث يأتي الطاهر بالسلاح من الوطن القبلي في أكياس من الفحم و يخفيها في دار المولدي الشاوش بالاتحاد ،و كانت ديناميت و قنابل" . هكذا و ممّا لا يدع للشك أنّ حشاد كان وراء تنظيم و تنسيق المقاومة المسلّحة في تونس العاصمة و بدواخل البلاد ، على الأقل في جزء منها ، بالتعاون طبعا مع رفيقيه في قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل أحمد التليلي و الطاهر عميرة و مناضلين آخرين كثيرين شأن الحبيب عاشور في صفاقس أو القياديين في المقاومة المسلّحة و اللذان كان منخرطين في اتحاد الشغل لزهر الشرايطي من قفصة أو الطيب الزلاق من جندوبة.

فلا غرو إذن ، و رغم الطابع السري لإعداد و تنسيق أعمال المقاومة ، أن تتفطن السلط الاستعمارية للدور الخطير الذي كان يقوم به حشاد فيها اذ استخلص تقرير لمصالح الأمن بتونس في أول أوت 1952 أنّ "الحزب الحر الدستوري الجديد تقريبا وقع القضاء عليه بالإيقافات و بابعاد قياديه و فقد كلّ السيطرة على فرقه المشاغبة. وأخذ عليه المشعل الاتحاد العام التونسي للشغل المحتمي بالحصانة التي تضمنها له تحالفاته الخارجيّة " .

فما هي أهم وقائع المقاومة العنيفة التي كان لحشاد فيها ضلع قبل اغتياله ؟

-4- أهم وقائع المقاومة المسلحة في طور قيادتها من حشاد المعروف أن ّ المقاومة العنيفة للمستعمر في تونس اتخذت منذ ايقاف زعماء الحزب الحر الدستوري الجديد و عديد النقابيين في جانفي 1952 صيغ تحركات احتجاج و تمرّد داخل المدن ثم انتقلت لعمليات تفجير واغتيالات لرموز الاستعمار و بضرب الحصار على المدن سوف تنتقل المقاومة إلى الجبال و البوادي من جنوب البلاد إلى شمالها وقد استهدفت عمليات المقاومة المسلّحة قوات الأمن والجيش الفرنسية وعملاء الاستعمار..

و تمّ تخريب وسائل النقل وإتلاف أرزاق المعمرين وذهب ضحيتها في الصف الفرنسي 54 قتيلا و139 جريحا وقد وقعت أكبر العمليات المسلحة حتى تلك الفترة (أواخر 1952) بالجنوب التونسي خاصة للبروز المبكر لمجموعات المقاومة بجبال هذه الجهة من مطماطة إلى ڤفصة وكانت أهمّها "عصابات" الطاهر لسود ولزهر الشرايطي وزايد الهدّاجي والساسي لسود وحسن الغيلوفي ،ونذكّر هنا بأهم العمليات التي نفذها المقاومون في هذه المنطقة :

- 13 فيفري 1952: على الطريق الرابطة بين ڤفصة وأم العرائس بجبل السّطح تمت مهاجمة سيارة جندرمة، قتل فيها ضابط وعون جندرمة.

- 12 مارس: عملية تفجير بمحطة القطار بڤابس، قتل فيها 7 وجرح 15 شخصا.

- 4 افريل : على طريق الحامة – ڤبلي، حرق حافلة نقل و قتل سائقها.

- 14 اكتوبر : جرح شرطيين قرب محطة القطار بڤفصة ب

إطلاق الرصاص عليهما.

- 16 اكتوبر : مهاجمة القطار بجهة الثالجة حيث قتل شخص وجرح خمسة.

- 13 نوفمبر : إطلاق النار على سيارة جندرمة وجرح أحد ركابها.

- 3 ديسمبر : بڤصر ڤفصة كمين لسيارة حرس جمهوري قتل فيه حرسان وجرح اثنان، تلته عملية انتقامية من أهالي الڤصر وأعدم ستة منهم... ولعلّ العمليّة التي أفاضت الكأس لدى المعمّرين و السلط الاستعماريّة تلك التي جدّت في 15 نوفمبر1952 و التي نصب فيها الطاهر لسود مع رفاقه كمينا لشاحنة عسكرية بمدخل ڤابس أسفر عن قتل 4 جنود فرنسيين وجرح 7.

ويبدو أن حشاد كان على علاقة مع منفّذي هذه العملية وكان زوّدهم شخصيا بالمال ممّا شدّ من عزم الاستعماريّين على إغتياله و قد ورد في استنطاق أحد المقاومين الضالعين في العمليّة و تحت التعذيب انّه " جاءته تعليمات لكي يتجه إلى تونس و يقابل فرحات حشاد لكي يعطيهم التعليمات و المال للقيام بالكمين .

وكان الموعد في مقهى بباب سويقة أمام مكتب البريد ،و قد ذهب في اليوم الأوّل ، فلم يتصل به أحد و في اليوم الثاني جاءت سيارة كان يقودها فرحات حشاد و بها الصادق المقدم و نقلتهم إلى منزل بحارة اليهود و بقي المقدم خارج البيت و اختلى به حشاد فأعطاه 300 ألف فرنك لتنظيم الكمين " و يذكر نور الدين حشاد الذي اطلع على هذه الوثيقة في أرشيف جيش البر بفنسان أنّه كلّما ذكر اسم حشاد فيها سُطّر بالأحمر و هو ما يتوافق مع رواية أنطوان مليرو احد قادة " اليد الحمراء" و التي رواها في كتابه La Main rouge عندما يقر بأن قاتل حشاد هو اليد الحمراء.

و هكذا نفذت الاستعلامات الفرنسيّة عمليّة اغتيال أحد أبرز رموز المقاومة و النضال الاجتماعي في 5 ديسمبر 1952 ليدخل اسم حشاد طورا آخر من النضال من اجل الانعتاق الاجتماعي و الوطني.

-5- اغتيال حشاد لم يوقف المقاومة بل أجّجها أراد الاستعماريون باغتيال حشاد ضرب الحركة الوطنيّة في الرأس وإطفاء نار المقاومة في تونس فأجّجوها أكثر حيث ثبت لنا بدراسة مسار صعود المقاومين للجبال و تكون "عصابات الفلاقة" انّ نسق الالتحاق بالمقاومة زاد منذ 5 ديسمبر 1952 و عديد المقومين صرّحوا في استجواباتهم انّهم عزموا على مجابهة الاستعمار بالعنف عندما اقتنعوا انّ فرنسا تجابه الوطنيين بالقوة و تقتل زعماءهم .

و من صيغ الردود المباشرة تلك على اغتيال حشاد هو رد الوطنيين التونسيّين للثأر بتكوين ما يعرف ب " كمندوس فرحات حشاد" حيث قرر المناضلان القياديان الدستوريان علي الزليطني و مراد بوخريص، اللاّجئان في طرابلس آنذك ، تكوين كمندوس يرسل لتونس ليثأرلاغتيال الزعيم النقابي ووقع اختيار 16 مقاوما تطوّعوا للقيام بتلك المهمة قسموا الى فرقتين الأولى من سبعة مقاومين يقودهم علي بن مسعود ويساعده في القيادة عبد لله الجليدي والثانية من 9 أفراد يرأسها علي القلعي ويساعده المنجي الشايب.

وقد كلف كل من المخازني القديم أصيل مدنين المنتصر وعلي نحاسة أصيل بن قردان بمهمة كعنصري ربط و إرشاد للكمندوس.تكوّن الكمندوس إذن وأعطت له مهمة التسلل عبر الحدود بداية من 9 ديسمبر بعد أن زود بالأسلحة (17 بندقية، 136 قنبلة يدوية، 5100 خرطوشة و4 مسدسات) والملابس الضرورية وبتخطيط للسير حتى الهدف.

وبالفعل يوم 12 ديسمبر 1952 وقع أول اشتباك بين هذه المجموعة ودورية من القومية يقودها النقيب اسكلانڤن (Esclangon) قرب سيدي الطوي بالحدود الجنوبية لتونس، لكن نظرا لتفاوت القوى انسحبت الدورية الفرنسية ليقع استنفار تعزيزات عسكرية استأنفت مطاردة الثوار يوم 13 حتى سقوط الظلام ومن الغد كانت المعركة الفاصلة بجبل الرّهّاش قرب كاف التوارڤ (40 كيلومترا جنوب غرب بنڤردان) .

وقد قادها من الجانب الفرنسي القائد العام للعساكر الفرنسية بالجنوب (T.S.T) العقيد ڤيبون (Guillebon) بنفسه وتدخلت فيها تعزيزات من الجندرمة هبّت من ڤابس ومدنين و بن ڤردان وسرية كاملة من BIL الثالثة وكل ضباط الشؤون الأهلية بالمنطقة إضافة إلى فصيل المخازنية ببن ڤردان . وقد تمت عملية تطويق كامل للجبل من جميع الجهات ووضعت بعض الكتائب العسكرية في مؤخرة الثوار لتقطع عليهم طريق الفرار.

وكانت الحملة الأولى بعد الظهر يقودها ميدانيا النقيب لو (Lo) استشهد فيها 6 من الكمندوس تلتها حملة ثانية يبدو أنها كانت عنيفة استبسل فيها المقاومون "والتحمت فيها الأجساد" واستعملت فيها القنابل اليدوية والحراب (baïllonettes) انتهت بقتل خمسة آخرين من الثوار.

وهكذا أسفرت المعركة على تصفية جل عناصر الكمندوس بعد مقاومة شبه انتحارية حيث استشهد منهم إحدى عشرة مقاوما و اسر ثلاثة وفر آخر بينما عاد أحد قيادي الفرقتين علي القلعي قبل اجتياز الحدود." .

كذلك فانّ ارتدادات اغتيال حشاد التي وصلت جلّ بلدان العالم أثمرت في المغرب الأقصى انتفاضة شعبية يومي 7 و8 ديسمبر 1952 بالدار البيضاء جابه فيها النقابيّون و عامة الفئات الشعبيّة قوات القمع الاستعماري و استشهد فيها المئات من متظاهرين رافعين صور حشاد و منددين بالاستعمار الفرنسي .

خاتمة انّ الزعيم النقابي فرحات حشاد خدم قضية وطنه حيّا و ميّتا و كان مثالا للتضحية و العطاء في خدمة قيم الحرية و العدالة الاجتماعيّة و لا تزال أحلامه و خصاله حية بيننا يحملها الكثيرون و ذكراه يستحضرها كل أحرار تونس ماضيا و حاضرا في مجابهة قوى الطغيان وعنجهيات الجهل و الاستبداد و أعداء تحرّر الشغيلة و الشعب."

أ.عميره عليّه الصغيّر "